مقالات

التنمر بين أصل المعنى وحداثة المفهوم

إحسان السربوت / طالبة وباحثة

استجد في الآونة الأخيرة، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في واقعنا المعاش؛ هذا المصطلح وهذه الكلمة “التنمر” ، ولا أعلم حقا إن كان له أصل وجذر في المعاجم اللغوية العربية التي بحثنا فيها منذ نعومة أظافرنا، وحتى دراستنا الجامعية، بل انني أكاد أجزم أننا لم نصادف هذه الكلمة حتى في الروايات والقصص والمؤلفات التي قرأناها.

لكل هذه الانطباعات نتساءل: ما هو أصل الكلمة وماذا تعني؟ ماهي تجلياتها وتأثيرها في مجتمعنا؟ كيف نتعامل معها باعتبارها ظاهرة اجتماعية؟ ماهو رأي الشرع فيما تحمله من معاني؟

عند الوقوف عند جل المعاجم اللغوية إن لم أقل كلها وجدت أن كلمة تنمر، تنمرا، فهو متنمر، والمفعول متنمَّر له. تنمر الشخص:نَمِرَ:غضب وساء خلقه وصار كالنمر الغاضب وتشبه بالنمر في لونه او طبعه.

تنمر لمنافسه: تنكر له و أوعده ومدّد في صوته عند الوعيد.

1- وبالاستعانة بالترجمة إلى الفرنسية وجدناها تعني: “intimidation” وفي الترجمة المعكوسة فهي تعني التخويف التهديد التهويل؟!!! فهل يمكن اعتبار هذا دليلا قاطعا أنه ليس للكمة أصل؟؟ مما سبق يتبين أن هذا الدخيل له علاقة بكل انواع العنف والاعتداء و الاحتقار والايذاء والتخويف… انه مصطلح مشحون بالكراهية والعداونية والأفعال الشنيعة التي يرتكبها الإنسان في حق أخيه الإنسان، والادهى والأمر ان هذا العدوان ينتشر في صفوف الاطفال خاصة وبشكل كبير فنتج عن ذلك أن هؤلاء الاطفال دخلوا في أزمات نفسية وصحية والمسؤولية على عاتقنا وبسببنا إن على مستوى الممارسة او على مستوى الاستعمال و الترويج لهذا المفهوم في البرامج الاعلامية والمسلسلات والمنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، حتى أصبح رغما عنا مستساغا ومقبولا ان صح القول في الوقت الذي يجب أن نرفضه ونرفض الترويج له ونضرب بيد من حديد على كل من يمارسه.

إنه ظلم في حق الإنسان من اقرب الناس اليه في بعض الأحيان (إخوته، أصدقاؤه، عائلته…) حيث تجد العائلة بأكملها تنعت فردا من أفرادها بالسمين مثلا، أو المشاغب،…. أو تحتقره أمام الكل والكل يضحك ويبتسم كأن الأمر مجرد مزحة.

الأمر ليس مجرد مزحة، وليس بالأمر المتجاوز والهين، فالأطفال الذين تعرضوا لهذا الأمر حسب العديد من الدراسات تظهر عليهم سلوكيات خطيرة فهم يرفضون الذهاب إلى المدرسة، يرفضون تقبل ذواتهم، يفقدون مهارات التواصل مع الآخرين، تقديرهم لذواتهم منخفض جدا، يفقدون القدرة على الإنجاز والانتاج، يصبحون انطوائيين ويسيطر عليهم الخوف فيرفضون آباءهم بل يرفضون حياتهم أيضا ويفكرون في الانتحار جراء هذه الممارسات السلبية والعدائية، التي في غالب الأحيان نعبر عنها: “إنهم يمزحون معه فقط”.

وقد رصدت العديد من الصحف والصفحات الإلكترونية قصص انتحار بسبب التنمر نذكر منها: “انتحار كيلي يومانس (بالإنجليزية: Suicide of Kelly Yeomans)‏، (27 سبتمبر 1984 – 28 سبتمبر 1997) طفلة إنجليزية عمرها 13 عاماً قتلت نفسها عن طريق أخذ جرعة زائدة من مسكن الألم؛ نتيجة للتنمر المستمر التي تعرضت له لسنوات.

1١ على الأرجح أن سبب التنمر عليها كان بسبب وزنها الثقيل.

كان زملاء كيلي في المدرسة يسخرون منها، يرمون حقيبتها في السلة ويسرقون طعامها، كما كان هناك مجموعة من الشباب يأتون إلى منزلها ويرمون البيض عليها. اشتكت والدتها عن تلك القضية آلاف المرات ولكنهم لم يستجيبوا.

استغرق هذا الأمر عدة سنوات حتى 28سبتمبر1997،أي بعد عيد ميلادها الثالث عشر بيوم، حين قالت لأهلها: «الذنب ليس ذنبك يا أمي، ولا أنت يا أبي، ولا أنت يا سارة (أختها) سأتناول جرعة زائدة.»

و بالفعل، ذهبت إلى غرفتها وتناولت جرعة زائدة من دواء كانت تتناوله أمها للتخفيف من ألم ركبتها فلقت مصرعها على الحال.”

2- وتحت عنوان: “وصفوها بـ”العربية القذرة”.. مسلمة تنتحر في فرنسا بسبب التنمر المدرسي”، نقل موقع الجزيرة مباشر تفاصيل حالة انتحار دينا المراهقة العربية المسلمة. هذا الحادث الأليم من جديد: ” كان من المنتظر أن تحتفل دينا (وهي مراهقة لأسرة عربية مسلمة في فرنسا) بعيد ميلادها الـ15 خلال أسابيع قليلة قبل أن تنهي حياتها ليلة 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في غرفة نومها.

وشهدت مدينة ميلوز شمال شرقي فرنسا، اليوم الأحد، مسيرة تكريما لذكرى المراهقة التي انتحرت وفق عائلتها بعد أن تعرضت للتنمر المدرسي طيلة عامين بسبب أصولها العربية.

وتعرضت دينا لمضايقات من قبل زميلاتها وفق شهادة والدتها لوسائل إعلام فرنسية وبحسب رسائل نصية وجدتها الأسرة على هاتف دينا، واجهت المراهقة مضايقات وكان زملاؤها يطلقون عليها “عربية قذرة”، بحسب العائلة.

وفي مارس/آذار 2020، نفذت دينا أول محاولاتها للانتحار داخل مدرستها الإعدادية وقالت الأم “اتصلت الإدارة بالعائلة التي قررت نقل المراهقة التي كانت متفوقة لمدرسة أخرى”.

وظنت دينا أنها لن تلتقي بالمتحرشات بها مرة أخرى إلى أن جمعها بهن مقصف مشترك بين المؤسستين التعليميتين وتلقت وابلا جديدا من الشتائم والتنكيل لتقرر إنهاء حياتها.

وشجبت العائلة التنمر المدرسي والحادثة المأساوية على مواقع التواصل الاجتماعي وقال شقيقها في مقابلة مع “فرانس بلو”: “وصفها الجميع بأنها عربية قذرة أيضًا”، وقالوا لها في الرسائل “في المحاولة الثانية لن تفشلي نأمل أن تموتي”.

وفتح مكتب المدعي العام في ميلوز تحقيقا بعد أن قدمت الأسرة شكوى وربطت بين التنمر والمضايقات التي كانت تتعرض لها دينا وإقدامها على الانتحار”.

3- بعد رصد كل هذا ومما لاشك فيه، ان التعرض لهذا الفعل الشنيع – أرفض الترويج لكلمة التنمر لأن النمر حيوان بريء من كل المعاني المرتبطة بهذه الكلمة -حتى وإن لم يود بالطفل او الشخص إلى الانتحار، فإنه يساهم في إنتاج أفراد ضعفاء الشخصية لا يعتمد عليهم، قليلي الفعالية في المجتمع، محطمين نفسيا، يشعرون بالخوف طيلة حياتهم، فأي جريمة ترتكب؟ وأي حساب سيحاسب هؤلاء المجرمون؟ بالرجوع الي الدستور القويم والمنهج السوي لحياتنا: ” القرآن “نجده قبل قرون مضت تضمن كل هذه المعاني في الآية الكريمة بالسورة المسماة سورة الأخلاق، قال عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون”. الحجرات. الاية:11 في تفسير الاية: يا أيها الذين آمنوا بالله، وعملوا بما شرع، لا يستهزئ قوم منكم بقوم، عسى أن يكون المستهزأ بهم خيرا عند الله، والعبرة بما عند الله، ولا يستهزئ نساء من نساء عسى أن يكون المستهزأ بهن خيرا عند الله، ولا تعيبوا إخوتكم فهم بمنزلة أنفسكم، ولا يعير بعضكم بعضا بلقب يكرهه، كما كان حال بعض الأنصار قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منكم فهو فاسق، بئست الصفة صفة الفسق بعد الإيمان، ومن لم يتب من هذه المعاصي فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بإيرادها موارد الهلاك بسبب ما فعلوه من المعاصي.

من فوائد الاية:الصلح بين المتنازعين والبعد عما يجرح المشاعر من السخرية والعيب والتنابز بالالقاب.

4- ان الله سبحانه وتعالى في هذه الآية نهى عن هذا الفعل قولا أو فعلا (اللمز والتنابز) ، بل ورغبة في ترهيب فاعليه فضل المسخور منهم عن الساخرين ووصفهم بالخيرية .

إن تقبلنا لهذا المصطلح الدخيل، وتكريسنا لمعانيه عن قصد وعن غير قصد من شأنه ان يأتي بنتيجة عكسية، ويزداد تفشيا في المجتمع وفي الاوساط الأسرية خاصة، رغم رفضنا له.(مفارقة عجيبة) وعند تعرض أطفالنا أو أحد أفراد عائلتنا للتنمر فإننا نطبق على أفواهنا خوفا من نظرة المجتمع وأن هذا الشخص (مْعَقَّدْ) لا يقبل مزاح زملائه معه في الوقت الذي يخفي هذا الشخص الكثير من الألم.

فلنضع حدا لهذه المهزلة الاجتماعية قبل أن تظهر النتائج الكارثية بشكل مهول، فيكفينا ما استشكل علينا من ظواهر وأزمات شبابية لم نستطع السيطرة عليها حتى الآن (الإدمان/التحرش/الإلحاد/المثلية…) فإذا بنا نُفْزَع من جديد بمشاكل وممارسات جديدة دخيلة على ثقافتنا ومعتقداتنا وأعرافنا.

  • المصادر:
  • معجم اللغة العربية المعاصرة، المعجم الجامع ومعاجم أخرى
  • موقع Findagrave.Com في 27اكتوبر20173-
  • موقع الجزيرة مباشر +مواقع اجنبية
  • كتاب المختصر في تفسير القرآن الكريم

بقلم الطالبة الباحثة: إحسان السربوت

إحسان السربوت

تابعنا على جوجل نيوز

قم بمتابعة رصيف24 على جوجل نيوز

متابعة
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى