فاس – 8 غشت
مع تصاعد موجة الغضب الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من مطرح النفايات العمومي بمدينة فاس، سارعت السلطات المحلية إلى الإعلان عن إجراءات عاجلة، أبرزها اعتماد تقنية “الرش” للحد من الروائح، في انتظار حلول أكثر شمولاً.
وفي سياق متصل، عاينت جريدة رصيف24 عن قرب الوضع الميداني في محيط المطرح، وأجرت استجوابات مع عدد من الساكنة المتضررة، الذين عبّروا عن استيائهم الشديد من استمرار الوضع، مؤكدين أن الروائح تزداد حدة في الليل وتؤثر على جودة حياتهم وصحة أطفالهم
ورغم أن التدخل الفوري يحمل طابعًا تطمينيًا، إلا أن الخطوة تبقى ذات طابع مؤقت ولا تلامس جوهر المشكلة البيئية المعقدة التي تتجسد في عصارة الأزبال السائلة، المعروفة بتأثيرها المدمر على الفرشة المائية والبيئة المحيطة.
وقد جاء بلاغ جماعة فاس واضحًا في اعترافه بأن المعالجة الجذرية ما تزال مؤجلة إلى حين تفعيل اتفاقية شراكة متعددة الأطراف، وهي عملية تخضع لتعقيدات إدارية وتمويلية.
هذا الواقع يغذي شعورًا باللايقين لدى المواطنين، الذين سئموا من الانتظار المتكرر لحل طال أمده.
وتُعتبر هذه الأزمة أول تحدٍّ عملي تواجهه الشركة الجهوية متعددة الخدمات فاس-مكناس، المكلفة بتدبير قطاعات النظافة والماء والكهرباء. ونجاحها في تجاوز الأزمة البيئية الحالية سيشكل معيارًا حاسمًا لقياس نجاعة هذا النموذج الجديد في التدبير المفوض.
ويضع الرأي العام المحلي نصب عينيه أداء هذه المؤسسة الفتية، خصوصًا في ما يتعلق بـسرعة تفعيل المشاريع الكبرى، ومدى قدرة مسؤوليها على الانخراط في قرارات استباقية تنقذ الساكنة من وضع بيئي مقلق.
من جانبه، شكّل الإشراف المباشر لوالي جهة فاس-مكناس على العملية رسالة مزدوجة: طمأنة للساكنة المتذمرة، وتأكيد على أهمية الملف داخل سلم أولويات السلطة الجهوية.
لكن هذا التدخل يرفع أيضًا سقف التوقعات، ويضع الجهات المعنية أمام مسؤولية الإسراع في إيجاد حل جذري ومستدام.
وفي المجمل، تبدو الإجراءات الحالية أشبه بـ”مسكنات” تُقدَّم لمريض يعاني منذ سنوات، بينما لا يزال موعد “العملية الجراحية” غير واضح. فتقنية “الرش” قد تخفي الروائح لبضعة أيام، لكنها لن تعالج جذر الأزمة البيئية، ما لم يتم تفعيل مشروع معالجة العصارة بشكل فعلي وسريع.
ويبقى المواطن الفاسي، وسط هذه الأزمة، يتطلع إلى تحول حقيقي في التعاطي مع القضايا البيئية، في مدينة لطالما اعتُبرت رمزًا ثقافيًا وتاريخيًا، لكنها اليوم تُختبر في قدرتها على ضمان الحق في بيئة سليمة.