Niاحتضنت ساحة الهديم التاريخية ليلة الافتتاح الرسمي لمهرجان “عيساوة: مقامات وإيقاعات عالمية” بمدينة مكناس، وسط حضور جماهيري فاق 20 ألف متفرج، حجوا من مختلف أنحاء المدينة والمناطق المجاورة للاحتفاء بروح الطريقة العيساوية التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الهوية الروحية والثقافية لمكناس.
الافتتاح جاء منظمًا بدقة لافتة، واحترم توقيته المعلن، حيث انطلقت أولى الفقرات بحضور طوائف عيساوية وطنية بارزة من بينها طائفة دار المخزن (تواركة)، والركب الفيلالي، وطائفة إخوان عيساوة، وطائفة الفنون الشعبية، في خرجة احتفالية رسمية انطلقت من بوابة باب منصور الشهيرة، ما أضفى رمزية عمرانية وروحية على لحظة الانطلاق.
واكبت لحظة الافتتاح إعلان تأسيس “أكاديمية التراث العيساوي”، كمؤسسة مدنية فنية تهدف إلى تطوير هذا التراث، وتوثيقه، وتأطير استمراريته بين الأجيال، خصوصًا مع اعتماد نهج “الإجازة” في نقل الطريقة من الشيوخ إلى المقدمين الجدد.
هذا التوجه يشكّل نواة لتجديد الموروث الموسيقي المغربي وتوسيع إشعاعه الثقافي، حيث راهن المنظمون على تقديم الفن العيساوي كمادة قابلة للتدوين، والترويج، والتحديث، ضمن رؤية تستثمر في الثقافة كرافعة للتنمية المحلية.
رغم النجاح الجماهيري والتنظيمي، لم تخلُ التظاهرة من بعض الملاحظات التقنية، أبرزها ضعف الإضاءة الاحتفالية عبر أطراف ساحة الهديم، وانقطاع الصوت أحيانًا خلال أداء “جوق الإسماعيلية”.
كما لوحظ غياب المؤثرات الصوتية والبصرية التي ترافق اللحظات الرمزية، كحفل تسليم مشعل “تاعيساويت” بين الأجيال.
كما طالب الحاضرون بتجويد مقاعد الضيوف الرسميين، إذ جاء ترتيبها بشكل أفقي ممتد لا يراعي الرؤية الشاملة، وكان يُفضل اعتماد شكل نصف دائرة قصيرة تعزز التواصل البصري مع منصة العرض وتضفي دينامية جمالية على الفضاء العام.
عودة ساحة الهديم إلى وظيفتها الثقافية والتاريخية شكلت أحد أبرز رهانات المهرجان، حيث تم إخراجها من روتين الفوضى والعشوائية، وتحوّلت إلى منصة للتعبير الفني المنظم، والانفتاح على الثقافة التراثية الأصيلة.
وقد دعت عدد من الفعاليات الثقافية إلى الاستمرار في تثمين هذا الفضاء من خلال تنظيم مهرجانات سنوية، وإحداث بنية تحتية ملائمة للاحتفالات الكبرى، بما في ذلك الإضاءة، الصوت، وتأطير الحشود.