لمحكمة الدستورية تسحب صلاحيات من النيابة العامة ووزير العدل في مشروع قانون المسطرة المدنية
أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا مهمًا قضت فيه بعدم دستورية مجموعة من المواد ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية، بعد إحالة نص المشروع إليها من قبل رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، للبت في مطابقته لأحكام الدستور.
1. سلطة تقديرية خطيرة للنيابة العامة
قضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 17، والتي تخوّل للنيابة العامة صلاحية طلب بطلان أي حكم قضائي نهائي إذا رأت أنه مخالف للنظام العام، دون تحديد حالات واضحة لذلك.
ورأت المحكمة أن هذا يمنح النيابة العامة والجهات القضائية سلطة تقديرية واسعة وغير مضبوطة، مما يُهدد الأمن القضائي ويمس بمبدأ حجية الأحكام القضائية.
2. التبليغ بناءً على “التخمين” غير دستوري
رفضت المحكمة المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84، الذي يجيز للمكلف بالتبليغ تسليم الاستدعاء لأشخاص يَظهر أنهم من الأقارب أو فوق سن 16، حتى بدون التحقق من هويتهم.
اعتبرت المحكمة أن هذا يعتمد على الشك لا اليقين، ويحمل المكلف بالتبليغ مسؤوليات غير منصوص عليها بوضوح في القانون، ما يُضعف ثقة المواطنين في إجراءات التقاضي.
كما شمل قرار الإلغاء مواد أخرى أحالت على نفس المقطع، من بينها: 97، 101، 103، 105، 123، 127، 173، 196، 204، 229، 323، 334، 352، 355، 357، 361، 386، 500، 115، 138، 185، 201، 312، و439.
3. جلسات عن بعد دون ضمانات واضحة
قضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 90، لأنها لم تنص على شروط وإجراءات محددة لحضور الجلسات عن بعد، ما قد يعرّض حقوق الدفاع للخطر.
4. حرمان المتقاضين من حق الرد على المفوض الملكي
رفضت المحكمة الفقرتين الأخيرتين من المادتين 107 و364، اللتين تمنعان الأطراف من التعقيب على ملاحظات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق، معتبرة أن ذلك يخل بـتكافؤ وسائل الدفاع.
5. خطأ قانوني في إحالة مادة الوصية
رأت المحكمة أن المادة 288 تحيل خطأً على مادة لا علاقة لها بالإجراءات الخاصة بالوصية المفتوحة، مما يُخالف مبدأ وضوح النصوص القانونية.
6. تناقضات في تبرير قرارات التجريح
أبطلت المحكمة الفقرة الثانية من المادة 339 لأنها توحي، بشكل ضمني، بأن الحكم بقبول التجريح لا يحتاج إلى تعليل، في حين أن رفضه يتطلب ذلك، وهو ما اعتبرته تمييزًا غير مبرر.
7. رفض صلاحيات وزير العدل في إحالة القضاة
وجهت المحكمة ضربة مباشرة لصلاحيات وزير العدل، من خلال إسقاط الفقرتين الأوليين من المادتين 408 و410، اللتين تمنحانه إمكانية إحالة ملفات إلى محكمة النقض في حالات تجاوز القضاة لصلاحياتهم أو وجود “تشكك مشروع”.
المحكمة شددت على أن الوزير ينتمي للسلطة التنفيذية، ولا يمكنه التدخل في اختصاصات السلطة القضائية المستقلة، وأن هذا الدور يجب أن يبقى محفوظًا للنيابة العامة ومحكمة النقض فقط.
8. رقمنة القضاء خارج السلطة القضائية
رفضت المحكمة أيضًا الفقرة الثانية من المادة 624 والفقرتين الثالثة والأخيرة من المادة 628، التي تمنح وزارة العدل صلاحية تدبير النظام المعلوماتي الخاص بالقضاء.
واعتبرت أن هذا يُخالف مبدأ فصل السلط، لأن إدارة النظام الرقمي للقضاء يجب أن تبقى حصرًا بيد السلطة القضائية، دون تدخل مباشر من الحكومة، مع إمكانية التنسيق فقط في حدود التعاون المؤسسي.
قرار المحكمة الدستورية رقم 255/25 م.د يعكس التزامًا صارمًا بتطبيق الدستور وحماية استقلال القضاء، ويضع حدًا لصلاحيات مفرطة قد تُخل بتوازن السلط وحقوق المتقاضين.
ومن المرتقب أن تتم مراجعة مشروع القانون لإعادة صياغة هذه المواد بما يراعي التوجيهات الدستورية الواضحة.