أعاد الجدل حول انتقال داء السل عبر استهلاك الحليب ومشتقاته غير المعقمة فتح ملف السلامة الصحية للمنتجات الغذائية المتداولة في الأسواق المغربية، خاصة التقليدية منها. ففي وقت تعرف فيه الأسواق الأسبوعية والفضاءات العشوائية انتشارًا كبيرًا لبيع الحليب الطبيعي دون أي مراقبة صحية، تزداد المخاوف من انتقال أمراض خطيرة إلى المستهلكين، وعلى رأسها داء السل الحيواني.
وفي اتصال خصّ به الجريدة، أكد مصدر من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) أن منتجات الحليب التي تُصنّع داخل وحدات مرخصة تخضع لمراقبة صارمة تشمل مختلف مراحل الإنتاج والتوزيع، ما يجعلها آمنة من الناحية الصحية. في المقابل، شدد المصدر ذاته على خطورة استهلاك الحليب الخام المُسوّق خارج القنوات المنظمة، حيث يمكن أن يكون حاملاً لجراثيم تسبب أمراضًا خطيرة، من بينها داء السل الحيواني، وهو مرض يمكن أن ينتقل من الأبقار المصابة إلى الإنسان عبر الحليب غير المبستر.
وتُبيّن معطيات طبية أن جرثومة السل لا تقتصر على الإنسان فقط، بل تصيب أيضًا الأبقار والماعز، وقد تمر الإصابة دون أعراض واضحة، ما يُصعّب اكتشافها في مراحلها الأولى. ويُعتبر استهلاك الحليب الطبيعي دون غليه أو معالجته حراريًا من أهم وسائل انتقال العدوى إلى البشر، إلى جانب احتمالات التلوث الجرثومي التي قد تتسبب في تسممات غذائية ومشاكل صحية في الجهاز الهضمي.
التحسيس والتوعية: سلاح الوقاية الأهم
في هذا السياق، يُجمع الأطباء والمختصون على ضرورة تعزيز الوعي الاستهلاكي، خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية التي تعتمد شريحة واسعة من سكانها على الحليب الطبيعي كمصدر رئيسي للتغذية. ويوصي المختصون بضرورة غلي الحليب جيدًا قبل استهلاكه، إذ أن تعريضه لدرجة حرارة عالية لعدة دقائق بعد الغليان يقضي على معظم الجراثيم دون أن يُفقده قيمته الغذائية.
كما يُنصح المستهلكون باتباع قواعد النظافة خلال مراحل نقل الحليب وتخزينه، واستعمال أوانٍ نظيفة ومحكمة الإغلاق، وتفادي تسخين الحليب أكثر من مرة. ويمثل اقتناء الحليب من مصادر موثوقة ومعروفة بجودة منتجاتها خطوة أساسية نحو تقليل المخاطر الصحية.
بين الأمن الغذائي والمحافظة على الأنشطة التقليدية
رغم التحديات المطروحة، لا يدعو المختصون إلى مقاطعة الحليب التقليدي، بل إلى تبني سلوكيات سليمة تضمن استهلاكًا آمنًا، وتُحافظ في الوقت ذاته على استمرارية الأنشطة التجارية لمربي الماشية والفلاحين، الذين يُشكلون ركيزة مهمة في الاقتصاد المحلي والاجتماعي للمناطق القروية والهامشية.
إن مسألة السلامة الصحية ليست معركة ضد المنتجات التقليدية، بل قضية وعي جماعي تتطلب تضافر جهود المستهلكين، والسلطات الصحية، والمنتجين المحليين، من أجل بناء منظومة غذائية آمنة ومتوازنة.
مصدر جرائد إلكترونية