تشهد منظومة الصحة العمومية بالمغرب أزمة حادة جراء تصاعد ظاهرة هجرة الأطباء إلى الخارج، ما بات يشكل تهديدًا مباشراً لقدرة النظام الصحي على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للمواطنين، خاصة في المناطق القروية والنائية.
ورغم التدابير الحكومية المتخذة، وعلى رأسها تحسين الأجور وظروف العمل، إلا أن النزيف المهني لا يزال مستمرًا. فقد أقر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال جلسة برلمانية، بأن أعدادًا متزايدة من الأطباء يفضلون مغادرة المستشفيات العمومية بحثًا عن فرص أفضل في دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وكندا، التي تعاني بدورها من خصاص حاد في الكوادر الطبية.
وأشار أخنوش إلى أن الحكومة رفعت أجور الأطباء بمعدل 3800 درهم شهريًا، وسارعت بترقية الممرضين، كما تم رفع تعويضات الأخطار المهنية إلى 1400 درهم شهريًا، في إطار سلسلة من اللقاءات مع النقابات من أجل تحسين مناخ العمل داخل المؤسسات الصحية.
لكن بالرغم من هذه الجهود، لا تزال الأرقام تدق ناقوس الخطر؛ حيث تفيد بيانات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأن ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة بالخارج، في مقابل حوالي 23 ألف طبيب داخل البلاد.
ويُهاجر سنويًا ما بين 600 و700 طبيب، أي ما يعادل نحو 30% من خريجي كليات الطب، وفقًا لما أكده عدد من النقابيين، الذين يصفون هذه الظاهرة بـ”الهجرة البيضاء”، محذرين من انعكاساتها السلبية على جودة الخدمات الصحية، خاصة في التخصصات الحساسة كطب النساء والتوليد.
من جهته، أكد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن المغرب مطالب اليوم باعتماد آليات تحفيزية مبتكرة للحفاظ على الأطر الطبية، معتبرًا أن هذا التحدي ليس محليًا فقط، بل يمس معظم دول الجنوب في مواجهة جاذبية أنظمة الصحة الأوروبية.
كما أظهرت معطيات حديثة أن المغرب لا يزال بعيدًا عن تحقيق معيار منظمة الصحة العالمية، التي توصي بوجود 23 طبيبًا لكل 10 آلاف نسمة، بينما لا يتجاوز المعدل الوطني حاليًا 7.3 أطباء.
وفي ذات السياق، شدد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، على أن الخصاص يتجاوز 30 ألف طبيب، داعيًا إلى إجراءات أكثر جذرية لإنقاذ المنظومة الصحية من الانهيار.
ورغم التحديات، أكدت الحكومة التزامها بإحداث تحوّل هيكلي في القطاع، معلنة رفع ميزانية الصحة من 19.7 مليار درهم سنة 2021 إلى 32.6 مليار درهم سنة 2025، أي بزيادة تناهز 65%، بالإضافة إلى إحداث كليات طب جديدة بهدف مضاعفة عدد الخريجين خلال السنوات المقبلة.
ويبقى الرهان الأساسي، بحسب الخبراء، هو القدرة على وقف نزيف الكفاءات عبر سياسات قادرة على جعل الطبيب المغربي يختار البقاء بدل الهجرة، في ظل تحديات صحية كبرى يواجهها المغرب في الأمد القريب والمتوسط.