لم يكن تصريح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، بشأن “الأسعار المعقولة للأدوية” مجرد وعدٍ اجتماعي، بل إعلان مواجهة مع منظومة معقدة تتحكم فيها مصالح متشابكة بين المصنعين والموزعين وشركات التأمين والهيئات الصحية.
فالدواء في المغرب لا يُستنزف من جيب المواطن فقط، بل من ميزانية الدولة وصناديق التأمين، إذ تساهم كل زيادة في الأسعار في تقليص هامش الإنفاق العمومي على خدمات صحية أخرى أكثر أولوية.
قطاع الأدوية في المغرب ليس نزاعًا بين طرفين، بل شبكة معقدة تتحرك وفق قواعد دقيقة. الحكومة تُحاسَب، والوزارات تُنتقد، والصيدلي يواجه الزبون، بينما تتحكم خلف الستار مصالح ضخمة تتقن لعبة “الندرة” و”الوقت”.
ويُعدّ “لوبي الأدوية” من أقوى البنى الاقتصادية تأثيرًا في البلاد، ليس بصوته العالي بل بقدرته على التحكم الصامت في الإمدادات، الأسعار، والقرارات التقنية.
وتعاني الدولة من نقص حاد في المعطيات الدقيقة حول كلفة التصنيع والتوزيع، ما يجعلها تعتمد على مقارنات دولية قد لا تعكس واقع السوق المحلي.
كما أن تشتت القرار بين وزارات وهيئات متعددة يخلق بطئًا إداريًا تستفيد منه شركات قوية تعرف جيدًا كيف تستخدم الوقت لصالحها.
يكفي غياب دواء أساسي لأيام حتى يتحول الضغط الشعبي إلى أزمة سياسية، فتتراجع الحكومة عن قراراتها خوفًا من زعزعة الثقة العامة. وهو ما يجعل الإصلاح في هذا القطاع أقرب إلى السير فوق حقل ألغام.
الطبيب يصف دواءً تجاريًا اكتسب شهرة، الصيدلي يوازن بين هامش الربح والمريض، والموزع يحمي تدفقه المالي، أما المصنع فيبرر الأسعار بتكاليف الجودة والتطوير. النتيجة: دواء غالٍ في سوق فقيرة.
رغم تعقيد المشهد، لا تبدو الحكومة بلا أدوات. فالمطلوب اليوم هو شفافية مطلقة في نشر أسعار التصنيع وهوامش الأرباح، وتمكين الصناعة الوطنية عبر دعم الأدوية الجنيسة، مع تفعيل الرقابة السوقية ومراجعة منظومة التعويضات التي تُثقل كاهل الدولة.
إنها معركة تحتاج إلى شجاعة تنظيمية وقرارات صغيرة تراكم أثرًا كبيرًا، حتى يتحول شعار “الأسعار المعقولة” من جملة طمأنة إلى سياسة وطنية للحق في الدواء العادل.

