الكلمة الافتتاحية للسيد محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والتي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدوري السابع لجمعية إدارات السجون بإفريقيا:
بسم الله الرحمن الرحيم،
يسعدني أن أرحب بكم جميعا في المؤتمر السابع لجمعية إدارات السجون بإفريقيا تحت شعار ” التكنولوجيا في إدارة المؤسسات السجنية في إفريقيا” والذي تنظمه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بشراكة مع جمعية إدارات السجون الإفريقية انطلاقا من هذا اليوم وإلى غاية 16 ماي 2025، كما أشكركم جميعا على حضوركم معنا فعاليات هذا المؤتمر.
ويندرج هذا المؤتمر في إطار الخيار الاستراتيجي للمملكة المغربية في دعم وتعزيز التعاون جنوب-جنوب من أجل تكريس رؤية شمولية تهدف إلى بناء مستقبل مشترك مع الدول الافريقية في إطار التضامن وتبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات.
حضرات السيدات والسادة
أود في البدء أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لأعضاء جمعية إدارات السجون بإفريقيا على اختيارهم المغرب لاحتضان فعاليات هذا المؤتمر، الأمر الذي يدل في حد ذاته على المكانة التي تحظى بها إدارة السجون المغربية لدى أعضاء هاته الجمعية التي أثمن عاليا المجهودات التي تقوم بها من أجل إيجاد حلول للمشاكل المرتبطة بإدارة المؤسسات السجنية في البلدان الإفريقية وتعزيز التنسيق وتبادل التجارب والخبرات بينها بما يرفع من أداء هذه المؤسسات، فما بلوغ هذا المؤتمر لدورته السابعة إلا دليل على مواكبتها الدائمة والمتجددة لمشاكل وتحديات هذا القطاع على مستوى قارتنا الإفريقية.
إن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج تؤكد من جديد إرادتها في وضع خبرتها وبنيتها التحتية التكوينية رهن إشارة جميع إدارات السجون الإفريقية التي ترغب في الاستفادة منها وأذكر في هذا الإطار أن مركز تكوين الأطر بتيفلت استقبل خلال العشر السنوات الأخيرة ما مجموعه 17 زيارة ودورة تكوينية استفاد منها 176 إطارا وموظفا من مختلف البلدان الإفريقية، وذلك سعيا من المندوبية العامة إلى تقاسم تجربتها مع هذه البلدان في مجال تدبير المؤسسات السجنية بما في ذلك التدبير الأمني وبرامج إعادة الإدماج والتدبير المالي وتدبير الموارد البشرية ومجالات أخرى ذات صلة بالمرفق السجني، إضافة إلى تكوينات تروم استكمال التدريب بما يجعل إدارة المؤسسات السجنية أكثر احترافية وأكثر حرصا على احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما أوفدت المندوبية العامة، خلال الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى 2020، 09 بعثات ضمت 21 مسؤولا وإطارا إلى مجموعة من الدول الإفريقية الشقيقة للاطلاع على تجربتها في مجال إدارة السجون وإعادة الإدماج.
وفي مبادرة رائدة نظمت المملكة المغربية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده خلال يومي 30 و31 يناير لسنة 2020 المنتدى الإفريقي الأول لإدارات السجون تحت شعار ” نحو رؤية مشتركة لتعزيز التعاون جنوب-جنوب لمواجهة تحديات وإكراهات تدبير المؤسسات السجنية”، شارك فيه 36 بلدا إفريقيا وتوجت أشغاله بإعلان الرباط الذي حث على تنمية التعاون الإفريقي المتعدد الأطراف في مجال إدارة السجون والتأهيل لإعادة الإدماج وتبادل الخبرات وتطوير وتجويد الترسانة القانونية ومواكبة المتغيرات العالمية في هذا المجال.
حضرات السيدات والسادة
إن شعار المؤتمر الذي نحضره اليوم حول ” التكنولوجيا في خدمة إدارة المؤسسات السجنية بإفريقيا” يحظى براهنية قصوى اعتبارا لأهمية الأدوار التي أصبحت تضطلع بها الإدارة الإلكترونية والرقمنة وكذا الذكاء الاصطناعي في مجال التدبير، وبالنظر كذلك إلى ما تتيحه هاته الوسائل التكنولوجية من جودة في الخدمات ونجاعة في الأداء وشفافية وحكامة في التدبير العام للمؤسسات السجنية وإلى ضرورة استفادة هذا القطاع من هذه التحولات التكنولوجية الهائلة وتطوير أدائه والمساهمة إلى جانب المنظومات الأمنية الأخرى في التصدي للممارسات الإجرامية المتطورة، خاصة الجرائم الالكترونية والجرائم العابرة للحدود.
وارتباطا بذلك، وفي سعيها إلى إرساء أسس إدارة سجنية وتأهيلية ناجعة، أدمجت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج الإدارة الالكترونية والرقمنة كمحاور رئيسية ضمن مخططها الاستراتيجي، وذلك انسجاما مع التوجهات الوطنية ذات الصلة. وقد طورت في هذا الإطار برامج معلوماتية تخص عددا من الجوانب التدبيرية بالمؤسسات السجنية وبالمصالح المركزية تتمثل في تنفيذ العقوبة والموارد البشرية وأموال المعتقلين والشراءات الخاصة بالمعتقلين والشكايات والزيارة العائلية وترحيل المعتقلين والخدمات والملفات الصحية للمعتقلين.
وفي إطار عصرنة الخدمات التربوية والتعليمية الموجهة إلى نزلاء المؤسسات السجنية، تم إطلاق العمل ببرامج التعليم عن بعد من خلال إحداث استوديوهات متعددة الوظائف لأجرأة الفضاءات الجامعية المحدثة بالمؤسسات السجنية بشراكة مع المؤسسات الجامعية المغربية والشروع في إرساء المدرسة الرقمية بشراكة مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. كما يتواصل العمل بالنظام المعلوماتي للإدارة الاجتماعية (SID) في تتبع ومواكبة برامج تكوين وتعليم نزلاء المؤسسات السجنية.
وقد شكلت المحاكمة عن بعد أو المحكمة الرقمية التي اعتمدتها وزارة العدل أحد أبرز آليات النجاعة القضائية من خلال اعتماد وسائل التكنولوجيا والمعلوميات، اعتبارا لما تتيحه من سرعة وفعالية في البت في القضايا المعروضة على المحاكم، إضافة إلى تقليص المخاطر المرتبطة بنقل المعتقلين إلى المحاكم وترشيد الموارد البشرية.
حضرات السيدات والسادة
إن هذا المؤتمر فرصة للرفع من مستوى أداء جمعية إدارات السجون الإفريقية وتطوير المهام المناطة بها، ولا شك أن إحداث مقر وسكرتارية دائمة لها سيمكن من خلق دينامية خلاقة في عملها من خلال تطوير آليات تنسيقية في مجالات تدخلها، وهو المقترح الذي سبق للمندوبية العامة أن تقدمت به خلال المنتدى الإفريقي الأول. من جهة أخرى، من شأن مراجعة المساهمات المالية للإدارات الأعضاء والبحث عن مصادر تمويل جديدة ومبتكرة توفير موارد مالية إضافية ستمكنها من تنزيل أنجع لبرامج عملها وأنشطتها بما يكفل تحقيق الأهداف المسطرة.
ومن شأن تفعيل بعض التوصيات التي سبق إعلانها ضمن التقرير الختامي للجنة العلمية للمنتدى الإفريقي الأول أن يغني الرصيد المعرفي والتجارب العملية لكل إدارة عضو في الجمعية، وأخص بالذكر منها التوصية المتعلقة بإحداث لجان عمل دائمة ومشتركة تعمل على تكثيف التنسيق والتبادل بين الدول الإفريقية في مجال إدارة السجون وإعادة الإدماج وتنبثق عنها مجموعات عمل تخص استعمال الذكاء الاصطناعي في تدبير المؤسسات السجنية وتأهيل المعتقلين للإدماج، بالإضافة إلى تكريس البعد البيئي في تدبير المؤسسات السجنية وإرساء هيكلة تنظيمية خاصة بالاستعلامات السجنية.
حضرات السيدات والسادة
أملنا جمعيا أن يشكل هذا المؤتمر لبنة إضافية في صرح التعاون بين البلدان الإفريقية في مجال إدارة السجون وإعادة الإدماج وفرصة حقيقية لتبادل التجارب الناجحة في مجال دمج التكنولوجيا والآليات الحديثة لتدبير هذا القطاع وبلورة توصيات وجيهة وناجعة لرفع التحديات الكبرى التي يواجهها من خلال اعتماد التكنولوجيا في مختلف جوانب تدبير المؤسسات السجنية.
وفي الختام، أجدد الترحيب بكم جميعا ببلدكم الثاني المغرب وأتوجه بالشكر الجزيل إلى كل المشاركين والمدعوين والخبراء والضيوف والمتدخلين والمساهمين في تنظيم هاته الدورة ووسائل الإعلام واللجنة المنظمة على مستوى الجمعية والمندوبية العامة، متمنيا لأشغال هذا المؤتمر كل النجاح، راجيا أن يتمخض عنه مخطط عمل يتضمن جميع الأنشطة المزمع تنفيذها في إطار هاته الشراكة التي من شأنها أن تسهم في دعم مسارات الإصلاح والتحديث في أنظمتنا السجنية والتأسيس لمرحلة متقدمة من التعاون والشراكة لمواجهة تحديات وإكراهات تدبير المؤسسات السجنية.
وفقنا الله جميعا لخدمة قارتنا الإفريقية
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.