فاس – رصيف24
شهد حي زواغة العليا بمدينة فاس مؤخراً تدخلاً للسلطات المحلية مدعومة بعناصر من القوات المساعدة، لنقل سيدة مسنة تعاني من اضطرابات نفسية، كانت تعيش في ظروف مأساوية داخل مسكن أرضي متدهور تحوّل إلى بؤرة نفايات ومخلفات، ما أثار استياء الجيران والمارة.
وبعد نقلها إلى مستشفى ابن الحسن للأمراض النفسية والعقلية بفاس، تدخلت شركة النظافة المفوض لها تدبير القطاع، حيث قامت بإفراغ المسكن وتنقيته من النفايات. غير أن المفاجأة كانت في عودة المريضة إلى المسكن بعد ساعات قليلة فقط، ما أثار موجة من التساؤلات حول الطاقة الاستيعابية للمستشفى وظروف استقبال المرضى النفسيين.
وتكشف هذه الواقعة واقع الأزمة الخانقة التي يعانيها قطاع الصحة النفسية في المغرب، خاصة في ما يتعلق بضعف البنيات التحتية وندرة الموارد البشرية، حيث تشير المعطيات الرسمية إلى أن المغرب يتوفر فقط على 2320 سريراً مخصصاً للأمراض النفسية، مقابل أزيد من 40% من المواطنين يعانون من اضطرابات نفسية حسب تقديرات وزارة الصحة.
أما على مستوى الموارد البشرية، فلا يتجاوز عدد أطباء الطب النفسي في القطاع العام 319 طبيباً، منهم 62 فقط متخصصين في طب نفس الأطفال، ما يضع المغرب بعيداً عن المعايير الدولية التي توصي بتوفير 3.66 طبيباً لكل 100 ألف نسمة، بينما المعدل الوطني لا يتجاوز 0.63.
وتظل التشريعات المنظمة للصحة النفسية متجاوزة، حيث لا يزال العمل سارياً بقانون يعود لسنة 1959، في انتظار إخراج مشروع القانون رقم 71.13، المتعثر منذ 2016، رغم النداءات الحقوقية المتكررة لتحديثه وضمان حقوق المرضى.
وفي ظل هذه الإكراهات، تبقى الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية والعقلية 2025-2030 بارقة أمل، خاصة مع إطلاق مشاريع لتوسيع وحدات العلاج النفسي، وتوفير أطر جديدة، وافتتاح مستشفيات جديدة كتلك المتواجدة بتيط مليل.
ورغم المجهودات الحكومية، تُظهر حالة السيدة التي أعيدت إلى مسكنها وسط النفايات، بعد تدخل السلطات، حجم التحديات البنيوية والإنسانية، وتدعو إلى تسريع وتيرة الإصلاحات، وضمان الحق في الصحة النفسية كجزء من الكرامة الإنسانية.